سئلت:
كيف أتحلل ممن اغتبته؟!
فكان الجواب:
الأصل في تكفير حقوق العباد السعي في طلب العفو منهم.
فمظالم الناس لا تمحى إلا باستحلالهم منها في هذه الدنيا الفانية،فليس في الآخرة دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات يؤخذ من حسناته بقدر مظلمته ويعطى للمظلوم، فإن نفدت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وحمله الظالم.
قالﷺ: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). أخرجه البخاري.
فالتحلل ممن اغتبته واجب شرعي.
ثم إن تحلل المغتاب وإعلامه بما حصل إن علم بغيبتك له متعين.
وأما إن لم يعلم فالأولى أن تتحلله تحللا عاما ولا تذكر له اغتيابك إياه لئلا تغضبه.
ولأنه يؤدي إلى مفسدة أعظم
فعليك بالإكثار من الاستغفار والدعاء له.
والثناء عليه في غيبته
وذكره بخير حيث ذكرته بشر
حتى تُذهب الحسنات السيئات مصداقا لقول الله ﷻ :{إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.
قال مجاهد كفارة أكلك لحم أخيك:
" أن تثني عليه وتدعو له بخير".
وقال الحسن البصري : "كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ".
والمقصد من الاستغفار والدعاء هو دفع السيئة بالحسنة ، ومقابلتها بها ، كما في الحديث:(وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
ولذلك فلا يتحتم الاستغفار دون غيره من الأعمال ، بل يمكن أن تعمل العمل الصالح ليكون ثوابُه مقدَّما لمن اغتبته ، وعمل صالح يهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه .
كأن تتصدق عنه أو تقدم له المساعدة ، وتقف معه في محنه ، فتحاول تعويضه عن ذلك الأذى بما تستطيع .
مع الاجتهاد في الإكثار من الحسنات الماحية والتقرب إلى الله تعالى بما أمكن من خصال الخير.
حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم تبق مفلسا.
ولعل ما يبن هذا بجلاء كلام الإمام الشبلي فقد كان حاكماً لولاية من ولايات العراق
وعندما وافته المنية أخذ يبكي بكاءا شديدا فسألوه لم تبكي؟
قال: والله ما أبكي لذنب
قالوا: إذا لم تبكي؟
قال: لأني أخذت درهماً غصباً من رجل وأنا في ولايتي ، فبحثت عنه سنين فلم أجده ، فتصدقت عنه بألوف ، ولكني أخــاف أن يطالبني صاحب هذا الدرهم بدرهمه يوم
القيامة.
هكذا مظالم الناس عند المؤمن عظيمة.
قال عبدالله بن وهب:"نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني – يعني تعبت – فكنت أغتاب وأصوم أغتاب وأصوم .. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة".
وتأمل معي هذه الآثار
بعث الحسن البصري رطباً على طبق لرجل
وقال: بلغني أنك اغتبتني ولم أجد أفضل من هذا الرطب لقاء حسناتك التي أهديتها لي جزاء هذه الغيبة".
جاء رجل للحسن فقال: بلغني أنك اغتبتني !
فقال الحسن: لم يبلغ قدرك عندي أن أُحَكِّمك في حسناتي.
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: " لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ؛ لأنهما أحق بحسناتي".
قيل للربيع بن خيثم- رحمه الله - :
ما نراك تغتاب أحداً ؟
فقال :
"لست عن حالي راضيا
حتى أتفرغ لذمِّ الناس "
قال الإمام البخاري رحمه الله: " أرجو أن ألقى الله ﷻ ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا".
من منا يأمل ذلك؟!
قال بكر المزني:" إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه، فاعلموا أنه قد مكر الله به".
نعوذ بالله من الخذلان
ونسأله أن يشغلنا في طاعته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق