تحتل الأم مكانة مهمة ورئيسة في التربية، ويتضح ذلك من خلال الأمور الآتية:
الأمر الأول: الطفل يتأثر بحالة أمه وهي حامل كما قال تعالى:{حملته أمه وهنا على وهن}
فإن الجنين وهو في بطن أمه يتأثر بمؤثرات كثيرة تعود إلى الأم، ومنها:
1-التغذية ونوع الغذاء الذي تتلقاه الأم
2- الأمراض التي قد تصيب أمه أثناء الحمل.
3- العقاقير الطبية التي تتناولها الحامل.
4- حالة الأم الانفعالية أثناء الحمل، فقد يخرج الطفل وهو كثير الصراخ في أوائل طفولته، وقد يخرج الطفل وهو يتخوف كثيراً، وذلك كله بسبب مؤثرات تلقاها من حالة أمه الانفعالية التي كانت تعيشها وهي في حال الحمل.
وهذا يؤثر في الهرمونات التي تفرزها الأم وتنتقل إلى الجنين،
ولا بد أن تؤثر على نفسيته وانفعالاته وعلى صحته.
الأمر الثاني: دور الأم في الطفولة المبكرة
وهي مرحلة الرضاعة، فلحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه كما قال تعالى :{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}
وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وليس الأمر فقط تأثيرا طبيّا أو صحيّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه.
وهنا ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثير من الأمهات حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية فهي التي تهيئها له، وهذا يفقد الطفل قدرا من الرعاية النفسية هو بأمس الحاجة إليه.
كما قال الشاعر:
فكيف نظن بالأبناء خيرا
إذا نشئوا بحضن الجاهلات؟!
وهل يرجى لأطفال كمال
إذا ارتضعوا ثديَّ الناقصات؟
الأمر الثالث: الأم تطلع على التفاصيل الخاصة لأولادها
من خلال تعاملها مع ملابسهم والأثاث وترتيبه، وأحوالهم الخاصة فتكتشف مشكلات أكثر مما يكتشفه الأب،
هذه الأمور السابقة تؤكد لنا دور الأم في التربية وأهميته
فالام أول معلمة للعلاقات الإنسانية وأول وسيط بين الطفل والعالم الخارجي .
فأن أحسنت تقديمه إلى هذا العالم زادت ثقته فيها .
وإن أساءت تقديمه ظل يشعر طوال حياته بالوحشية والاغتراب .
فالأم تتعامل مع النشأ في هذه المراحل أكثر مما يتعامل معهم الأب، وفي هذه المراحل سوف يكتسبون العديد من العادات والمعايير، والخلق والسلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة النشأ فيما بعد.
وكما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم:
من لي بتربية النساء فإنهــــا
في الشرق علة ذلك الإخفــــاق
الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا أعـددت شعبا طيب الأعــراق
الأم روض إن تعهــده الحيـــا بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق
الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق
فكم في تاريخنا النير من أئمة وعلماء وعظماء من كانوا أيتاما وربتهم أمهاة عظيمات ،
فكانوا هداة مهتدين
كالإمام أحمد والشافعي والبخاري...
وغيرهم الكثير إلى عصرنا هذا.
وكما قال ويليام دالاس:[ إن اليد التي تهزّ السرير هي اليد التي تحكم العالم].
وكما قيل: وراء كل رجل عظيم أمرأة.
ولـو كــن النسـاء كـمن ذكرنا لفضلت النسـاء عـلى الرجال
وكم من الفاشلين والفاسدين من كانوا ضحية لأمهات فاسدات
إن العصا من هذه العُصَيّة
وهل تلد الحية إلا الحية؟!
الأمر الرابع : دور الأم مع البنات
فلئن كانت الأم أكثر التصاقا بالأولاد ، فهذا القرب يزداد ويبقى مع البنات.
ولعل من أسباب ما تعانيه المجتمعات اليوم من مشكلات لدى الفتيات يعود إلى تخلف دور الأم التربوي،
فالفتاة تعيش مرحلة المراهقة والفتن والشهوات من حولها يدعوها إلى الفساد وتشعر بفراغ عاطفي،
وقد لا يشبع هذا الفراغ إلا في الأجواء المنحرفة، أما أمها فهي مشغولة عنها بشؤونها الخاصة، وبالجلوس والتحدث مع زميلاتها، فالفتاة في عالم والأم في عالم آخر.
وبين الأم وبين الفتاة هوة سحيقة.
وأحسن شوقي حين قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه
من هم الحياةٍ وخلفاهُ ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أُما تخلت أو أبا مشغولا
ولذا من صفات عباد الرحمن أنهم يدعون ليل نهار و{ يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.
والحمد لله رب العالمين
كتبه د/سالم ابن ارحمه الشويهي