السبت، 23 أغسطس 2014

مختصر أول( 50 )صفحة من الدواء والدواء لابن القيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن هذا الكتاب الذي اشتهر بعنوان:
[الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي]
وطبع مرّات باسم: [الداء والدواء]
من أنفع الكتب في تهذيب النفوس واستثارتها للكفّ عن المعاصي والتوبة النصوح.
ولإن كان المجتمع الذي عاش فيه المؤلف -رحمه الله- [القرن السابع]
بحاجة إلى هذا الكتاب على ما فيه من تمسك بالدين
ومحافظة على الأخلاق القويمة،
فإن مجتمعاتنا إليه اليوم
[ القرن الواحد والعشرين] أحوج
مع هذه الفتن التي تموج موج البحار بل هي أعظم.

و أصل الكتاب استفتاء ورد على المؤلف فسئل عن:"رجل ابتلي ببلية إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته،
وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما تزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها؟
وما الطريق إلى كشفها؟!"
ولكون هذا السؤال يتكرر منا جميعا
كان جواب ابن القيم هذا الكتاب القيم
واستهله بقول النبي ﷺ:
(ما أنزل الله داء إلا أنزل الله له شفاء).
وهذا يعم أدواء الروح والقلب والبدن
وأدويتها
والجهل داء و دواؤه سؤال أهل العلم كما قالﷺ لمن أفتوا صاحبهم بجهل حتى مات:(..قتلوه قتلهم الله !
ألا سألوا إذ لم يعلموا !
إنما شفاء العي السؤال..).

والقرآن كله شفاء قال ﷻ:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}.
وفي الصحيحين:قصة الرهط الذين رقوا سيد الحي بالفاتحة فشفي
فقال ﷺ:(وما يدريك أنها رقية!
قد أصبتم).
ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرا عجيبا في الشفاء.
والدعاء من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب.
ولكن لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع لتحقق أثره
ومنها:
[الاخلاص، واليقين، وحضور وخشوع القلب، والانكسار بين يدي الرب، والالحاح بالدعاء، وتحين أوقات الإجابة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين ،وكونه على طهارة، وبدئه بحمد الله، والثناء عليه ،وثنى بالصلاة على النبي ﷺ ،وتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته..ولم يعجل، و تجنب أكل الحرام...]
فإن هذا الدعاء لا يكاد أن يرد
ولا سيما إذا صادف الأدعية التي أخبر النبي ﷺ أنها مظنة الإجابة أو أنها متظمنة للاسم الأعظم
ومنها قوله ﷺ:(دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت:{لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
وقال ﷺ:(ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك .. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا..).

وكثيرا ما تجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم ، فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله ، أو حسنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته ، أو صادف وقت إجابة ، ونحو ذلك ، فأجيبت دعوته ، فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي ، وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي استعماله على الوجه الذي ينبغي ، فانتفع به ، فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب ، كان غالطا ،وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس .

ومن ألهم الدعاء فقد أريد به الاجابة
قال ﷻ:{أجيب دعوة الداع إذا دعان}
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه" إني لا أحمل هم الإجابة ،ولكن هم الدعاء،فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه".
ونظم هذا الشاعر فقال:
لو لم ترد نيل ما أرجو واطلبه
من جود كفك ما علمتني الطلبا‏

وقد رتب الله ﷻ حصول الخيرات والشرور في الدنيا والآخرة على الأعمال قال ﷻ {ذلك بما قدمت أيديكم}{وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا}

فما استجلبت النعم واستدفعت النقم بمثل طاعة الله والاحسان إلى خلقه

والمعصية والغفلة من أسباب مضرة العبد في دنياه وآخرته.

فليحذر العبد مغالطة نفسه وتسويف التوبة والاتكال على مغفرة الله والتعلق بنصوص الرجاء
كقول بعضهم:
وكثر ما استطعت من الخطايا
إذا كان القدوم على كريم

ولا  ريب أن حسن الظن إنما يكون مع حسن العمل
كما ‏قال الحسن البصري :"إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل،وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل".

وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق اللـه ، وأن اللـه يسمع كلامه ويرى مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عيه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ومسؤول عن كل عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني.
{فما ظنكم برب العالمين}؟!.
فحسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق