الاثنين، 2 مارس 2015

وعند الله تجتمع الخصوم

حجم الخط:   ع   ع   ع
ريم سعيد آل عاطف
الجمعة، 13 فبراير 2015 05:49 ص
* تزلف وتقرب.. ونافق وطبل، حتى بلغ المراد وجلس على الكرسي!
وما إن حمل أمانة المنصب في عنقه حتى حمل قلمه وبدأ يصفي حساباته ويوقع قرارات و "تقارير" التعسف والعدوان: فيفصل هذا عن العمل، ويوقف ذاك عن الخطابة أو الكتابة، ويشنع على ثالث ويجرمه أو يسعى في حبسه لأنه انتقده أو خالف هواه أو رفض الرضوخ لباطل أو تأييد منكر.. وهكذا قضى وقته حال تمكينه: مفسداً مؤذياً جائراً، ثم تأتي سنن التغيير والتعاقب وتقلب الأحوال فتعصف به وتلقيه ذليلاً بعيداً عن كرسيه يبوء بإثم كل من ظلمهم حتى يلقى ربه!
* يتولى مسؤولية العشرات أو المئات تحت يده، تأخذه العزة بالإثم ويسكره الغرور ونشوة السلطة، لا يفهم من الرئاسة أو الإدارة أو "الكفالة" إلا إصدار الأوامر وفرضها والتفنن في أساليب الترصد والعقاب، بين مرؤوسيه وعمالته الكثير من ذوي الظروف الخاصة والمغتربين والمعسرين ومع ذلك يضاعف من أوجاعهم ومتاعبهم بقسوته وتسلطه وهضمه لحقوقهم المعنوية والمادية، حتى يكتب الله لهم فرجاً فيزيحه عنهم أو يعاجله ببلاء من عنده!
* يشرفه الله بالقوامة أو الولاية على الأنثى التي رفع الإسلام مكانتها وكرمها وحث على الرفق بها والإحسان إليها وعلق الأجر العظيم على ذلك، فينحرف عن الحق ويفرط في الواجب ويبدأ باسم تلك الدرجة، وذلك التكليف ينتقصها ويستقوي عليها ويبخسها ما فرضه الله لها: يعقها كأم ويهملها أو يقلل من احترامها كزوجة ويقطعها كرحم، ليأتي يوم يفقد فيه تلك الأم أو ترحل عنه رفيقة الدرب مكرهة أو تقاضيه ابنة أو أخت في دعوى عضل أو استرداد مال، ليجد نفسه وحيداً منبوذاً خسر الكثير مما لا يسهل تعويضه، والخسران يوم المعاد أكبر!
أما والله إن الظلم شؤم***وما زال المسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضي***وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا***غداً عند المليك من الغشوم
قالها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الشافعي رحمه الله مثل ذلك: "بئس الزاد إلى المعاد: العدوان على العباد".
تتعدد صور الظلم ويبقى أنه من أعظم الذنوب وأشدها وعيداً، وقد قرر الله في كتابه أنه "لا يفلح الظالمون" وجعل لعنته عليهم، ونزل في الظلم وأهله من آيات التحذير والتخويف ما تنخلع له الأفئدة: يقول سبحانه: "يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" ويقول: "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ"، "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً" و "لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ"، "وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ".
وقد تقع على المسلم مظلمةً فيصبر ويغفر ويدعو لظالمه بالهداية وعاجل التوبة، وحين يتمادى الظالم ويستطير بغيه ترتفع الأكف إلى الله أن يكف بأسه، فتنهال عليه الدعوات وهنا الهلاك المبين! فعنه صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم وذكر منهم "دعوة المظلوم". يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".
يقول أبوالدرداء رضي الله تعالى عنه: إياك ودعوات المظلوم فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار".
وإن كان العدل سبحانه يجيب دعوة المظلوم وإن كان كافراً أو فاسقاً، فكيف بالمسلم؟ بل كيف بدعوات الصالحين والصالحات على من ظلمهم؟!
ثم إن كان الرحيم الحكيم حرم ظلم الحيوانات بإيذائها وتعذيبها فما الحال عند الإساءة للبشر نفسياً وجسدياً خاصة المرأة والأطفال والأيتام والخدم والمعاقين.
وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا".
لذا فيا أيها المسلم: صن يدك ولسانك عن أذية الخلق، يا أيها الزوج: اتق دعوة تلك المستضعفة التي أهنتها أو سلبت مالها أو علقتها أو حرمتها أطفالها.
يا أيها المسؤول أميراً كنت أم وزيراً أم قائماً على شؤون الناس وأموالهم: تذكر وحشة القبر ونفخة الحشر ورهبة الحساب والفصل، وأعتق نفسك من قيد المظالم والحقوق، فالذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم يقول: "من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين"، وفي الصحيحين: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله عليه النار وحرم عليه الجنة قيل: يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك".
اللهم إنا نعوذ بك أن نظلم أو نظلم.
الظلم نار فلا تحقر صغيرته***لعل جذوة نار أحرقت بلدا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق