حكم جمع الجمعة مع العصر للمسافر
هذه من المسائل المهمة التي يكثر السؤال عنها، ويحتاجها كثير من الناس في مواسم الإجازات والسفر.
و هذه المسألة من المسائل التي لم يتطرق لها المتقدمون في القرون المفضلة.
فهي مسألة اجتهادية فرعية، ليس لعامة المتقدمين فيها كلام،فالخلاف فيه يسير، وهو على قولين :
■الأول- ذهب بعض الحنابلة إلى عدم جواز جمع الجمعة مع العصر مطلقا .
وأقدم من نقل عنه هذا القول من الحنابلة أبو يعلى الصغير نقله عنه صاحب "الفروع"وتتابع متأخرو الحنابلة على ذكره.
وبه كان يفتي الشيخ ابن باز وابن عثيمين وغالب طلبتهم ينتصر لهذا القول.
ولذا أشتهر عند كثير من الناس أنه لا يجوز الجمع،ثقة برأي الشيخين وفتاواهم.
واستدلوا على ذلك بعدد من الأدلة منها:
1- عدم ورود الدليل على ذلك, والأصل في العبادات المنع إلا بدليل.
2- لا قياس في العبادات,فلا تقاس الجمعة على الظهر.
3-الجمعة صلاة مستقلة، وتفترق أحكامها عن الظهر بفروق كثيرة تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
4-وقوع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يرد أنه جمع فيه بين العصر والجمعة كما في قصة الأعرابي الذي قام يوم الجمعة وطلب الدعاء بالمطر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فنزل المطر وتوالى حتى الجمعة التي تليها (رواه البخاري), ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة لكن ذلك لم يرد.
■الثاني- ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز الجمع بن الجمعة والعصر مطلقًا.
●وهو مذهب الشافعية و مقتضى قول المالكية.
وأختاره جمع من المعاصرين منهم الشيخ ابن جبرين و الشيخ البراك وعموم العلماء.
ويستدل على جواز الجمع بأمور منها:
1- معنى الجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى، وهذا حاصل بالجمعة، ووقت الجمعة لم يتغير وإنما قدمنا العصر، ولا فرق بين عصر بقية الأيام و عصر الجمعة في جواز نقل صلاة العصر إلى وقت الصلاة التي قبلها.
2- خفف الله عن المسافر فلم يوجب عليه صلاة الجمعة, وجعل السفر أحد الأعذار المسقطة لوجوبها عليه، ومع ذلك تصح منه إذا حضرها، تيسيراً من الله ورحمة، فكيف يشدد عليه بمنعه من جمع صلاة العصر معها.
3-اتحاد الوقت بين صلاتي الظهر والجمعة على الصحيح من أقوال أهل العلم, والمعول في الجمع على الوقت.
4-إذا وجدت علة الجمع وجد الحكم معها, والشارع لا يفرّق بين المتماثلات؛ كما أنه لا يجمع بين المختلفات, فما الفرق بين جمع الجمعة مع العصر وجمع الظهر مع العصر إذا استويا في المشقة أو كانت المشقة في يوم الجمعة أشد.
5-لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي أن يجمع المسافر العصر مع الجمعة، مع كثرة وقوع السفر يوم الجمعة، ولو كان لا يجوز لنقل ذلك.
¤مناقشة ما استدل به أصحاب القول الأول :
◇ما ذكروه من فروق بين الجمعة والظهر.
نقول: صحيح، لكن لا أثر لها في ذلك، أليست تصح ممن لا تجب عليه؛ كالمرأة والمسافر، وتسقط فرضه؟
وكذلك إذا فاتت الجمعة من تلزمه صلى ظهرا
هي بدل عنها تأخذ حكمها في ذلك.
◆أما كون الجمعة صلاة مستقلة ولا تقاس على الظهر فيقال:
1- إن هذا قياس في باب الرخص وهو معمول به عند الأصوليين.
(انظر: البحر المحيط 4/52، شرح الكوكب المنير 4/220).
2-الجمعة والظهر يتفقان في مسائل كثيرة, منها الأعذار التي تبيح التخلف عنهما, وجوازها في الرحال في المطر الشديد، وتزيد الجمعة في حق المسافر أنها لا تجب عليه.وقد قال بقياس الجمعة على الظهر أنس بن مالك رضي الله عنه، ونحا نحوه البخاري في صحيحه، فقد عقد باباً فيه بقوله: "باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة", وأورد فيه حديث أنس بن مالك يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة" يعني الجمعة.
قال الحافظ ابن حجر: "وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو بالقياس على الظهر" (فتح الباري 2/389).
◆كما أن عدم نقل الجمع بين الجمعة والعصر في قصة الأعرابي لا يدل على عدم المشروعية لأمور:
1-احتمال وقوع الجمع وأن الراوي لم يذكر كل التفاصيل بدليل أن المطر استمر لمدة أسبوع ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في تلك الأيام.
2-أنه قد وردت الرخصة في ترك الجمعة لأجل المطر الشديد والوحل، كما في حديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلتَ أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم" فكأن الناس استنكروا، قال: "فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض" ( رواه البخاري مسلم).
3- وفي حديث الأعرابي لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة ولم يرخص للناس في تركها فقد يفهم أن ذلك كان قبل الرخصة.
★والراجح من أقوال أهل العلم جواز جمع العصر مع الجمعة جمع تقديم فقط؛ لأن الجمعة لا يتأتى تأخيرها عن وقتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق