قال ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى:
وقريب من هَذَا ما يعجبني من عائشة بنت طلحة بْن عبيد اللَّه ، وهي بنت أم كلثوم بنت أَبِي بكر الصديق ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وعائشة ، أم المؤمنين ، خالتها ، وكانت هَذِهِ عائشة بنت طلحة ، عَلَى ما يقول المؤرخون ، أجمل نساء زمانها ، وأظرفهن ، وأخبارها فِي هَذَا الشأن كثيرة ، وقد تزوجها مصعب بْن الزبير ، وجمع بينها وبين سكينة بنت الْحُسَيْن بْن عَلِيّ.
حجت عائشة بنت طلحة فِي ستين بغلا ، عليها الهوادج ، وفي حشمة زائدة ، وكانت سكينة أَيْضًا قد حجت معها ، فكانت عائشة أحسن آلة وثقلا ، فأخذ الحداة يتراجزون بمن حملن ، فقال حادي عائشة:
عائش يا ذات البغال الستين
لا زلت ما عشت كذا تحجين
فشق ذلك عَلَى سكينة ، فنزل حاديها ، وَقَالَ :
عائش هذي ضرة تشكوك
لولا أبوها ما اهتدى أبوك
فأمرت عائشة حاديها حينئذ أن يكف ، فكف.
فلله درها حيث كفت موضع الانكفاف ؛ أدبا مع رَسُول اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقد كان الأمر والمفاخرة فِي الدنيا هزلا ، فقلبته سكينة بذكر رَسُول اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، جدا ، فأفحمت خصمها ، وأقامت عَلَيْهِ الحجة ،
فلله درها من مناظرة عرفت مواقع الجدل ، ودر خصمتها من مذعنة للحق ، منقادة إِلَى الصدق.
وكذلك لا يستثقل حامل هَذِهِ الطبقات ما اشتملت عَلَيْهِ من كثرة الأسانيد ، فهي ، لعمر اللَّه ، بهجة هَذَا الكتاب ،
وزينة هَذَا الجامع لمحاسن الأصحاب
وواسطة هَذَا العقد الآخذ بعقول أولي الألباب ،
ولقد يعز عَلَى أبناء الزمان جمعها ، ويبعد منهم ، وقد ركبوا الهوينا ، وركنوا إِلَى الدعة ، وضعها ، ويتعذر عليهم ، وهم الذين قنع الفاضل منهم بحاجة فِي نفسه من اسم التصنيف قضاها ، صنعها ؛ فإنهم رفضوا طلب الحديث بالكلية ، فضلا عن جمعه بالأسانيد ، ونقضوا قواعد الأئمة الذين قَالَ منهم سفيان الثوري ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الإسناد زين الحديث ، فمن اعتني بِهِ فهو السعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق