الاثنين، 14 ديسمبر 2015

إن البلاء موكل بالمنطق


إن البلاء موكل بالمنطق

البلاء موكل بالمنطق ؛ عبارة لها تحقيق في واقع الناس ، ومنْ يبحث في ذلك يرى عجبًا ؛ وقد ردت كحديث جاء عن عدة من الصحابة ، لكن طرقه كلها معلولة لا تصح ، ولا تتقوى .
وفي ( مجمع الأمثال ) : قال المفضل : يقال : إن أول من قال ذلك أبو بكر الصديق  فيما ذكره ابن عباس  قال : حدثني علي ابن أبي طالب  : لما أُمِرَ رسولُ اللَّه  أن يَعْرِضَ نفسَه على قبائل العرب ، خرج وأنا معه وأبو بكر ، فَدُفِعْنَا إلى مجلسٍ من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر وكان نَسَّابة ، فسَلَّم ، فردُّوا  ؛ فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة ، فقال : أمِنْ هامتها أم من لَهَازمها ؟ قالوا : من هامتها العظمى ؛ قال : فأيُّ هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا : ذُهْلٌ الأكبر ؛ قال : أفمنكم عَوْف الذي يقال له لاَ حُرَّ بِوَادِي عَوْف ؟ قالوا : لا ؛ قال : أفمنكم بِسْطَام ذُو اللَّواء ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا ؛ قال : أفمنكم جَسَّاس بن مُرَّةَ حامي الذِّمار ومانِعُ الجار ؟ قالوا : لا ؛ قال : أفمنكم الحَوْفَزَان قاتل الملوك وسالبها أنفَسها ؟ قالوا : لا ؛ قال : أفمنكم المزدَلف صاحب العِمَامة الفَرْدة ؟ قالوا : لا ؛ قال : أفأنتم أخوال الملوك من كِنْدَة ؟ قالوا : لا ؛ قال : فلستم ذُهْلا الأكبر ، أنتم ذهل الأصغر .
فقام إليه غلام ، قد بَقَلَ وَجْههُ ، يقال له : دغفل ، فقال :

إنَّ عَلَى سِائِلِناَ أنْ نَسْأَلَه ... وَالْعِبْءُ لاَ تَعْرِفُهُ أوْ تَحْمِلَهُ

يا هذا ، إنك قد سألتنا فلم نكتمك شيئًا ، فمَنِ الرجل أنت ؟ قال : رجل من قريش ، قال : بخٍ بخ أهل الشرف والرياسة ، فمن أي قرش أنت ؟ قال : من تَيْم بن مُرَّة ؛ قال : أمْكَنْتَ واللَّه الرامي من صفاء الثغرة ؛ أفمنكم قُصَيُّ بن كلاب ، الذي جَمَعَ القبائل من فِهْر ، وكان يُدْعَى مُجَمِّعًا ؟ قال : لا ؛ قال : أفمنكم هاشم ، الذي هَشَم الثريدَ لقومه ، ورجالُ مكة مُسْنتُونَ عِجَاف ؟ قال : لا ، قال : أفمنكم شَيْبَةُ الحمدِ ، مُطْعم طير السماء ، الذي كأن في وجهه قمرًا يضيء ليل الظلام الداجي ؟ قال : لا ، قال : أفمن المُفِيضينَ بالناس أنت ؟ قال : لا ، قال : أفمن أهل النَّدْوَة أنت ؟ قال : لا ؛ قال : أفمن أهل الرِّفادة أنت ؟ قال : لا ؛ قال : أفمن أهل الحِجَابة أنت ؟ قال : لا ؛ قال : أفمن أهل السِّقَاية أنت ؟ قال : لا .
قال ( أي علي ) : واجتذبَ أبو بكر زِمام ناقته ، فرجع إلى رسول اللّه  ؛ فقال دغفل : صادَفَ دَرأ السيل دَرْأً يصدعُهُ ؛ أما واللَّه لو ثَبَتَّ لأخبرتك أنك من زَمَعَات قريش ، أو ما أنا بدغفل .
قال : فتبسَّم رسولُ اللّه  ؛ قال علي : قلت لأبي بكر : لقد وقَعْتَ من الأعرابي على باقِعَةٍ ! قال : أجَلْ ، إن لكل طامةٍ طامة ، وإن البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطق ( [1] ) .
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم ( النخعي ) قال : قال عبد الله ( ابن مسعود ) : البلاء موكل بالقول ( [2] ) . وقد أحسن من قال :

لا تنطقنْ بمقالةٍ في مجلسٍ ... تخشى عواقبَها وكن ذا مَصْدقِ 
واحفظْ لسانكَ أن تقولَ فتبتلى ... إِن البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ

ومن البلاء الحاصل بالقول : قول الشيخ البائس الذي عاده النبي  ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ  دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ  إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ؛ فَقَالَ لَهُ : " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ، قَالَ : قُلْتَ طَهُورٌ ! كَلَّا ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ - أَوْ تَثُورُ ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ  : " فَنَعَمْ إِذًا " ( [3] ) .
ولمَّا نزل الحسين وأصحابه بكربلاء ، سأل عن اسمها ؛ فقيل : كربلاء ؛ فقال : كربٌ ، وبلاء ؛ فجرى ما جرى .
وفي ( تذكرة الحفاظ ) عن سليمان بن يسار قال : كنت أقسم نفسي بين ابن عباس وابن عمر ، فكنت أكثر ما اسمع ابن عمر يقول : لا أدري ؛ وابن عباس لا يرد أحدًا ، فسمعت ابن عباس يقول : عجبًا لابن عمر وردِّه الناس ، ألا ينظر في ما يشك ، فإن كانت مضت به سنة قال بها ، وإلا قال برأيه ! قال : فسمعت ابن عباس وسئل عن مسألة فارتج فيها ؛ فقال : البلاء موكل بالقول ( [4] ) .
ومن ذلك ما قاله المؤمل الشاعر في امرأة من الحيرة كان علقها ، قال :

شفَّ المُؤمِّلَ يومَ الحيرةِ النَّظرُ ... ليتَ المؤمِّلَ لم يُخلقْ لهُ بصرُ

فيقال : إنه رأى رجلاً في المنام قد أدخل إصبعيه في عينيه ، فأخرجهما ، وقال : هذا ما تمنيت ، فأصبح أعمى ([5] ) .
ومن ذلك قول مجنون بني عامر ( مجنون ليلى ) :

فلو كنتُ أعمى أخبطُ الأرضَ بالعصا ... أصمَّ فنادتْني أجبتُ المنادِيا

فعمي وصُمَّ ( [6] ) .
وعليه أنشدوا :

لا تمزحن بما كرهت فربما ... ضرب المزاح عليك بالتحقيق

وقال آخر :

لا تَنْطِقَنَّ بِمَا كَرهْتَ فَرُبَّمَا ... نَطَقَ اللِّسَانُ بِحَادِثٍ فَيَكُوَن

قال ابن الدورقي : اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد ، فحضرت صلاة ، فقدموا الكسائي يصلي ، فارتج عليه قراءة : ] قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ فقال اليزيدي : قراءة : ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ ترتج على قارئ الكوفة ؟! قال : فحضرت صلاة ، فقدموا اليزيدي ، فأرتج عليه في ( الحمد ) فلما سلم قال : 
احفظْ لسانكَ أن تقولَ فتبتلى ... إِن البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ ([7] )
وفي ( محاسن التأويل ) للقاسمي عند قوله تعالى :  إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ  قال الناصر : ولقد صدقت هذه القصة المثل السائر ، وهو قولهم : ( البلاء موكل بالمنطق ) ، فإن يعقوب  قال أولاً في حق يوسف :  وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْب  [ يوسف : 13 ] ، فابتلي من ناحية هذا القول ؛ وقال ها هنا ثانيًا :  إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ  أي : تغلبوا عليه ؛ فابتلي - أيضًا - بذلك ، وأحيط بهم وغلبوا عليه ( [8] ) .
وفي ( الزهد ) لهناد عن إبراهيم ( النخعي ) قال : إني لأرى الشيء مما يعاب ، ما يمنعني من غيبته إلا مخافة أن أبتلى به ؛ ورواه وكيع في ( الزهد ) بلفظ : إني لأرى الشر أكرهه ، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به ( [9] ) .
روى أحمد والترمذي عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ  قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ " ( [10] ) .
رب كلمة قالت دعني
وقصة آية اللعان انه سأل لو وجد رجلا عند امرته فحصلىما سأل عنه
وقصة ملك العرب المنذر ابن المنذر لما قال له  رجل إذا ذبح رجلىاين يبلغ دمه من هذه الصخرة فذبحه وجرى الدم على الصخرة التي قال عنها
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه *** و ذو قرابته في الحي مسرور

أورد أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري هذا البيت في مساق حكاية هي من طرف الأعاجيب و عبر التجاريب، فروى بإسناده إلى هشام ابن الكلبي قال: عاش عبيد بن سرية الجرهمي ثلاثمائة سنة أدرك الإسلام فأسلم و دخل على معاوية -رضي الله عنه- بالشام فقال له معاوية: حدثني بأعجب ما رأيت، قال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع، فتمثلت بقول الشاعر

يا قلب إنك من أسماء مغرور *** فاذكر، و هل ينفعك اليوم تذكير

قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد *** حتى جرت لك إطلاق محاضير

لست تدري، و ما تدري أعاجلها *** أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير

فاستقدر الله خيرا و ارضين به *** فبينما العسر إذ دارت مياسير

و بينما المرء في الأحياء مغتبط *** إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه *** و ذو قرابته في الحي مسرور

فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إنّ قائله هذا الذي دفناه الساعة، و أنت الغريب الذي تبكي عليه و لست تعرفه، و هذا الذي سار عن قبره هو أمسّ الناس رحما به و أسرهم بموته، فقال معاوية لقد رأيت عجبًا فمن الميت؟ قال: عثير بن لبيد العذاري....

يقال: "إن البلاء موكل بالنطق"، حكى بعض الأدباء فقال: إنه اجتاز دار "الشريف الرضي" و هو لا يعرفها، فرأى دارًا ذهبت بهجتها، و أخلقت ديباجتها، و فيها رسوم تشهد لها بالنضارة، و حسن الثنا و الشارة،فوقف عليها متعجبا من ظروف الزمان و طوارق الحدثان، و تمثل بشعر خطر على خاطره و هو:

و لقد وقفت على ربوهم *** و طلولها بِيَدِ البلى نهب

فبكيت حتى ضج من لغب *** ضوي و لج بعذليَ الركب

و تلفت عيني فمذ خفيت *** عني الطلول تلفت القلب

فسمعه رجل صادفه فقال له: أتعرف قائل هذه الأبيات؟ قال: لا، قال : هذه الدار لصاحب هذه الأبيات و هو الشريف الرضي، فتعجب من حسن هذا الاتفاق

[1] - انظر ( مجمع الأمثال ) للميداني : 1 / 17 ، 18 ( 35 ) ؛ وقد روى القصة البيهقي في ( دلائل النبوة ) : 2 / 422 – 424 ، وابن حبان في ( السيرة ) ص 93 ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) : 17 / 292 – 294 ، مع تغير في بعض الألفاظ لا يؤثر .

[2] - مصنف ابن أبي شيبة ( 25547 ) ، وهو في الزهد لهناد ( 1193 ) ؛ قال الألباني في ( السلسلة الضعيفة : 7 / 395 ) : ورجاله ثقات ، لكنه منقطع بين إبراهيم وابن مسعود ، إلا أنه قد قال إبراهيم : ( إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله ؛ فهو الذي سمعت ؛ وإذا قلت : قال عبد الله ؛ فهو عن غير واحد ) ؛ وعلى هذا فالإسناد صحيح .

[3] - البخاري ( 3420 ، 5332 ، 5338 ، 7032 ) .

[4] - انظر ( تذكرة الحفاظ ) للذهبي : 1 / 38 ، 39 .

[5] - المؤمل بن أميل المحاربي الكوفي ، والقصة في (فوات الوفيات ) : 4 / 176 ؛ والأغاني : 22 / 247 .

[6] - أورده الحموي في ( معجم الأدباء ) في ترجمة إسحاق بن مرار ؛ وانظر ( التيسير شرح الجامع الصغير ) : 1 / 885 .

[7] - انظر (معرفة القراء الكبار ) للذهبي : 1/ 124 . 

[8] - انظر ( محاسن التأويل ) للقاسمي عند الآية ( 66 ) من سورة يوسف .

[9] - انظر ( الزهد ) هناد رقم ( 1192 ) ، و( الزهد ) لوكيع ( 307 ) .

[10] - أحمد : 5 / 259 ، والترمذي ( 2406 ) وحسنه .

السبت، 5 ديسمبر 2015

رؤيا والد الشيخ الحصري

قبل خمسة وثلاثين سنة كانت وفاة الشيخ محمود خليل الحصري -رحمهﷲ- ومازلنا نسمع صوته الشجي يتلو القرآن الكريم !
الشيخ محمود خليل الحصري ، إسمه الحقيقي : محمود خليل السيد
كان والده خليل السيد يشتغل بصناعة الحصير ، فلُقِّب بالحُصري ، وكان كلما وجد مصلى بلا حصير ، أو بلى حصيره ، أو مفروشا بقش الأرز ، هرع إليه وفرشه بالحصير الجديد ،وكانت المصليات آنذاك تفرش بالحصير، حتى جاءته الرؤيا العجيبة !!
رأى عموده الفقري يتشكل ويتدلى عنقودا من العنب ، والناس تأتي جماعات جماعات ، يأكلون من عنقود العنب ، وعنقود العنب لا ينفد !!
ولما تكررت الرؤيا ذهب لأحد الشيوخ وقصها عليه ، فسأله الشيخ إن كان له ذرية ، قال ولدي محمود عمره عامان ، قال ألحقه بالأزهر ، يتعلم العلوم الشرعية ، فسوف يكون له شأن كبير ، وقد كان !!!!
وفعلاً ألحقه بالأزهر وختم محمود القرآن في عمر الثامنة،
وكان أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم،
وكان أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي وفي قاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن، وأذن لصلاة الظهر في الأمم المتحدة.
توفي رحمه الله في ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٨٠
ولا نزال نأكل من عنقود العنب ، وعنقود العنب لا ينفد!!!!
غفر الله لنا وله ورزقنا وإياكم ذرية طيبة ووفقنا لما يحب ويرضى.
اللهم امين 👐 https://www.youtube.com/watch?v=YnWY1DawO4c